الخميس، 7 أغسطس 2014

كان معلمنا و شيخنا ايام الطفوله




بسم الله الرحمن الرحيم

انا من الذين يستمتعون بتذكر الماضي بحلوه ومره

أنظر الى زمننا الماضي على انه جميل على الاقل في نظري

فأبنائنا لا يرون جمال زماننا

وأستمتع بتذكر الماضي مع أن الماضي ليس كله جميل

فيه الكثير من الفرح والسرور والآلام والاحزان

وبالرغم من ذلك يبقى للماضي نكهة خاصة تجعلني أتلذذ بتذكر أيامه ولياليه

بغض النظر عن الفرح أو الألم فأن الفرح والألم قد ولَّى وانتهى

ولم نعد نشعر بألمه أو فرحه وحزنه

وكلما قابلت أشخاص ممن عاشوا معي ذلك الزمن الجميل وذلك العصر

وشاركوني أفراحه وأتراحه

أعيد شريط الذكريات العذبة واستمتع بها معهم من جديد

وكثيراً ما أتساءل عن سبب نعت الماضي بالجمال والتفنن في التعلق به

مع ان الماضي أصبح ماضي وانتهى بحلوه ومره ولن يعود

وقد يكون حالنا اليوم افضل من حالنا بالأمس

فما السبب في ذلك يا ترى ؟

ثم أتساءل هل لو عاد سنراه جميلا كما كنا نعيشه بالأمس ؟

ولو عاد هل سنختاره كما هو أم أننا سنعيده بالطريقة التي نعيشها اليوم ؟

وهل سنتقبل تلك الوجوه البريئة وقت الطفولة والصبا وتلك الصداقات ام ننكرها ؟

اسئلة كثيرة لم اجد لها جواباً

بالنسبة لي أجده جميلا أن نكون أصحاب مبادئ ولا نتغير بتغير أحوالنا وزماننا

خصوصا عندما نتبوأ مكانة اجتماعية مرموقة او نكون من اصحاب رؤوس الاموال

او ذا منصب وجاه وسلطان ومن ثم يشار الينا بالبنان

يجب ان نكون اصحاب مبادئ ولا نتغير فمن تواضع لله رفعه

بإمكاننا مجاراة الواقع واختيار المناسب من تلك الصداقات وتلك الوجوه

دون جرح لمشاعر الاخرين او المساس بكرامتهم ومشاعرهم

واختيار المناسب منهم مقدمين :

الدين - والأخلاق - والقيم - عند الاختيار

هذه المقدمة ذكرتها تقديماً لحديثي عن صديق الطفولة والصبا عندما التقيت به في احدى

المحاضرات الدينية التي تقام في جامع الامام تركي ابن عبدالله وبالتحديد
 
في ندوة الخميس والتي يشارك فيها نخبة من علماء الدين الافاضل في هذا البلد
 
مثل :

الشيخ العلامة صالح الفوزان اطال الله عمره ومتعنا به وسدد خطاه

والشيخ صالح اللحيدان والذي يعتبر من اوائل المشاركين في تلك الندوات

اذ كان يقرأ الاسئلة على الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمة الله عليه

في بداية نشوء تلك الندوات

والشيخ عبد الكريم الخضير والشيخ ابن منيع والشيخ صالح ابن حميد
 
 والشيخ صالح المغامسي

والشيخ حسن الدريعي والشيخ صالح السدلان والشيخ سعد الشثري

وغيرهم كثير من مشايخنا الافاضل

ويعلق في نهاية كل ندوة سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز ابن عبدالله ابن باز
 
رحمة الله عليه ثم يجيب على اسئلة الحضور في نهاية الندوة

كنت كلما صدر جدول جديد لتلك الندوات في بداية كل عام اتصفح عناوين المحاضرات

واسماء المشايخ المشاركين في تلك الندوات

وبينما كنت اتصفح جدول احد اعوام تلك الندوات وقع نظري على اسم شيخ جديد

اذ تعتبر المشاركة الاولى له في هذه الندوات
 
هذا الاسم الجديد اعرفه في زمن الطفولة والصبا

ورد اسمه ضمن المشاركين في تلك الندوات
 
وبجوار اسمه عنوان محاضرته التي سيشارك فيها

وقلت في نفسي هل هذا الشيخ هو زميل الطفولة ام اسم مشابه له

ممني النفس ان يكون هو لمحبتي له عندما كنا صغار فكيف اذا كان شيخاً فاضلا اليوم

فان المحبة ستزداد وتتضاعف - محبة صداقة في طفولة - ومحبة في الله عند الكبر

وكنت أقول متى يأتي ذلك الخميس لكي اقطع الشك باليقين

كان موعد المحاضرة بعد شهرين في جدول الندوات

وقتها كم تمنيت ان تكون محاضرته الاولى في جدول الندوات

لكي لا اعيش فترة الانتظار الطويلة تلك

ولكن انتظرت الى ان جاء ذلك اليوم وكنت قبلها اعد التاريخ بالأسبوع

وأقول مضى الاسبوع الاول وبقي سبعة اسابيع ومضى الاسبوع الثاني وبقي ستة اسابيع

الى ان جاء ذلك التاريخ وموعد تلك الندوة التي سيشارك فيها ذلك الزميل

ولكني غير متأكد هل هو زميل الطفولة ام اسم مشابه له

وكنت في الندوات السابقة في جامع الامام تركي ابن عبدالله استمع للندوات مستنداً

لاحد ( الاعمدة ) في منتصف المسجد واستمع لما يحدثنا به اصاحب الفضيلة العلماء

الى ان يأتي تعليق سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز فأتقدم الى الصف الاول

وأستمع الى تعليق سماحته واجابته على اسئلة الحضور

اما هذه الندوة فقد تبوأت مقعداً في الصف الاول قبل اذان المغرب متخذاً مكان عن يسار

مكان سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز مقابلا لمنصة المشايخ المتحدثين

اذ لا يفصلني عن المنصة الا عدة اشبار

لكي اتأكد من ملامح الوجه هل هو صاحبي ام اسم مشابه

مع ان لدي احساس وشعور داخلي بأن ذلك الاسم هو صاحبي

بسبب توجه زميلي الديني منذ الصغر والتزامه وصلاحه

جمعني الله به في مستقر رحمته في الجنة
 
 دخل وقت صلاة المغرب فأذن ابن ماجد اذان المغرب
 
وبعد الصلاة تقدم محاضري تلك الندوة

وكانوا اثنان احدهما صاحبي فملامح صاحبي قد تغيرت
 
لكني استطيع ان اميزه اذ كان يلبس نظارة منذ الصغر

فأخذ مقدم الندوة آنذاك واسمه على ما اضن عبدالجواد وكان ذا صوت جهوري

فذكر عنوان الندوة واسم الشيخين المشاركين في تلك الندوة
 
معرفاً بهما هنا تأكدت انه صاحبي

ثم اعطى مقدم الندوة المجال ليتحدث ذلك الزميل وكان كعادته دائما منذ الصغر

آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر

فبدء بذكر ضرورة الحكمة في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

حيث قال :

لابد من الحكمة في تغيير المنكر فيكون الآمر والناهي حكيماً

فليس كل إنسان يستطيع أن يأمر وينهى فالجاهل والسفيه يفسد أكثر مما يصلح

مثل من يريد تغيير منكر:

فيجر على الأمة سفك الدماء، واختلاف الكلمة، وتشتيت الأطفال، وتشريد النساء

فهذا أساء وليس بحكيم، بل إبقاء المنكر كما هو أحسن من استحداث فتنة أعظم ...

ثم تناول أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

مستشهداً بقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله عليه :

عندما سُئل فضيلته عن أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال :

ان الأمة الإسلامية فضلت على غيرها من الأمم
 
لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر

فالمسلم يحرص على أن يأمر بالمعروف إذا رأى من أخيه تقصيرًا

وينهى عن المنكر إذا رأى من أخيه تهوّرًا....

وكان زميلي الشيخ عندما يتحدث يلتفت يمنه ويسره ويطيل النظر امامه
 
وكنت انا الذي امامه

وكلما وقعت عيني في عينه ابتسمت له ابتسامة عريضة

تكرر ذلك مني اكثر من ثلاث مرات كلما نظر الي ابتسمت له تلك الابتسامة

بعدها اصبح ينظر يمنة ويسرة ولا ينظر الي ويتجاوزني

فهو لا يعرفني واستغرب مني تلك الابتسامات المتكررة له فقد ازعجته بها

وكأني به يقول في نفسه ما هذا الذي يكثر الضحك بدون سبب

ثم أخذ يتحدث اما انا فطفت بخيالي الواسع واسترجعت شريط الذكريات

في تلك الحارة التي تجاورت فيها منازلنا وقلوبنا منذ الصغر

وأخذت اطوف فيها وفي شوارعها وسككها شبراً شبراً

متذكراً كلامه وقتها عندما كنا صغاراً في حي الشميسي الجديد

فتذكرت حديثه ونصائحه لنا عندما كنا صغار فكان آمر بالمعروف ناهياً عن المنكر

وكان حفظه الله ذا سمت وخلق لم اسمع منه كلمة نابية او شتيمة لاحد

فهو محبوب من الكل صادق اللهجة ناصح لنا محب للخير وللجميع

ولم اره في لهو قط اما في خدمة اهله او في المسجد او في نقاش مسائل ذات فائدة

وكان كلما سمع بفائدة من مدرسيه أخبرنا بها اذ كان يسبقنا في المرحلة الدراسية وقتها

اما نحن فكنا في الصف الثاني ابتدائي ولم نصل للمرحلة الدراسية
 
التي وصل اليها شيخنا بعد في تلك السنة

فمادة اللغة العربية تدرس في المرحلة الابتدائية في السنة الرابعة

وكان شيخنا الفاضل آنذاك في الصف السادس الابتدائي

وكان يتحدث معنا احياناً باللغة العربية الفصحى

فيقول هيا بنا يا فلان الى المسجد او الى السوق

واذكر ان احدنا اراد ان يقلده متحدثاً اللغة العربية الفصحى

فقال متحدثاً لزميل آخر اسمه عبدالرحمن
 
( قوهبنا يا دحيم )

فضحكنا جميعاً عليه وأخذ شيخنا الفاضل يعلمه ويقول له :

قل : هيا بنا يا عبدالرحمن

كان شيخنا الفاضل اكبر منا سناً وقطع في مشواره التعليمي الشيء الكثير

اذن فلا عجب عندما يتحدث باللغة العربية الفصحى ويوجهنا

وكان كلما استفاد من معلومة من معلميه في المدرسة يطبقه علينا
 
ويخبرنا بها للاستفادة منها

وكنت اقلده في كل شيء لمحبتي له

لم اره يوما يلهو او يلعب معنا في الحارة ولا يجيد أي لعبة من الالعاب التي كنا نلعبها

وكان كل وقته اما في قضاء حوائج اهله او في المسجد او في نقاش مفيد

وكنت كثيراً ما ارافقه في قضاء حوائج اهله

وكان اذا ارادني ان ارافقه في مشاويره تلك يذكر لي فوائد المشي

فيقول لي :

ان الأطباء ينصحون بالمشي لما له من فوائد جمة ومتعددة

منها تجدد الدم في جسم الانسان و تصحيح إبصار العين

وان رياضة المشي لها فوائد لا تعد ولا تحصى لجسم الانسان

وليست مقتصر ذلك على الكبار بل الصغار يستفيدون منه أيضا عند المشي

يريد ان ( يشجعني من اجل ان ارافقه )

وهو صادق فيما يقول

وذات يوم قال لي الا تريد ان تجدد دمك ؟

قلت بلى ولكن كيف يتجدد دمي اغيره مثلاً ؟

قال لي لا

ولكن ان كثرة المشي تجدد الدم في الجسم

ثم قال لي:

هيا بنا لنوصل هذا الطعام لامرأة محتاجة وكان معه اناء فيه طعام

واخذنا نمشي الى وصلنا بيت من الطين خلف سوق اوشيقر وقبل سوق الجفرة

في الديرة وسط المنطقة التجارية في الرياض

فطرق احد ابواب تلك الدور في ذلك الحي ففتحت لنا امرأة

تدعى ام فايز رحمة الله عليها رحمة واسعة حية او ميته وأسكنها فسيح جناته

وان يجازيها على صبرها وعلى البلاء الذي اصابها من مرض ابنائها النفسي

وفقرها بعدما كانت في بحبوحة مِن العيش في زمنها الماضي

اذ نشأت في عز ورخاء من قبل

ولكن قدرها الذي ابتلاها الله به لمحبته لها لرفع منزلتها في الجنة

ابتلاها بمرض ابناءها النفسي وفقرها

بعدما كانت معززة مكرمة في بيتها كما قيل لي ذلك فيما بعد عنها

فدفع اليها زميلي بأناء فيه طعام مطبوخ سألته بعدها عن حالة تلك المرأة

فاخبرني عن حالتها وأخذ يذكر لي معاناتها وما مر بها من بؤس وشقاء من زوج وفقر

ثم اخذ يحدثني عن فضل الصدقة من أنها تقي مصارع السوء وتطفئ غضب الرب

لقد استفدت منه كثيراً وكنت احب ان اقلده في كل شيء

وعندما عدت الى بيتنا اخبرت والدتي بما حصل

وطلبت من امي ان تعد طعام في الغد لكي اوصله لتلك المرأة

وفي الغد عملت والدتي طبخة شعبية تسمى ( جريش )

ذهبت انا ووالدتي الى تلك المرأة فأعطيناها ذلك الطعام

لقد كان شيخنا الفاضل ( زميل الطفولة ) محباً للقراءة ناصحاً لنا بقراءة الكتب المفيدة

مشجعاً لنا اذ يقول ان القراءة غذاء للفكر كالطعام الذي هو غذاء للجسم

وكنا نذهب الى مكتبة دار الكتب الوطنية في شارع الوزير ونقرأ في قصص الاطفال

وغيرها من المعارف التي تناسب سننا ومستوانا التعليمي في ذلك الوقت


كانت دار الكتب الوطنية مشروعاً لمكتبة وطنية  

ثم تحولت إلى مكتبة عامة تتبع لوزارة المعارف

وتقع في المنطقة التجارية في وسط مدينة الرياض

 وبالتحديد في شارع الملك فيصل (الوزير)

وقد تم نقل المكتبة من مكانها هذا إلى مقر آخر جديد

 تم استئجاره بحي شبرا بالسويدي

ان مقر تلك المكتبة في شارع الوزير له ذكريات لسنوات مضت

حيث أصبحت جزءاً من تاريخ الرياض

وهي مركز ثقافي تغذت به اجيال الثمانينات الهجرية والتسعينات من جيلي

تشع بنورها على المجتمع تربوياً وفكرياً وثقافيا

لمختلف فئات المجتمع ولجميع الأعمار

من رياض الأطفال إلى كافة أفراد المجتمع عامة لمحبي القراءة

وعندما أغلقت وازيل مبناها فإننا نزعنا من نفوس الناس الذكريات الجميلة 
جاوزت الخمسين عاماً هي عمر المكتبة ونزعنا من قلوبهم  ذكريات سنين مضت

 فدار الكتب الوطنية و برج مياه الرياض

 الذي بُني منذ (44) سنةً وتحديداً في عام (1391)هـ

 هما معلمين من معالم مدينة الرياض  
لقد استفدت كثيراً من ذلك الزميل

ثم انتقلنا من مسكننا الى مسكن آخر في حارة أخرى وانقطعت العلاقة فيما بيننا

وبينما كنت اتجول مقلب صفحات الماضي مستمتعاً بها

اذ قطع تفكيري صوت المؤذن يرفع اذان العشاء وقطع علي ذلك الحلم الجميل
 
الذي عشته في اليقظة عندما كنت اتجول في شوارع ذلك الزمن الماضي
 
 مقلباً صفحات الماضي مستمتعاً بها

فتقدم سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز ابن عبدالله ابن باز غفر الله له
 
واسكنه فسيح جناته وعلق على حديث الشيخين
 
ثم اجاب على اسئلة الحاضرين المكتوبة وبعد انتهاء الندوة وصلاة العشاء

تقدمت الى ذلك الشيخ الفاضل وعرفته بنفسي فعرفني

فدعوته لزيارتنا في منزلنا فلبى الدعوة جزاه الله خيراً

فقد كان متبع لهدي محمد صلى الله عليه وسلم في اجابة الدعوة حين قال :

(حق المسلم على ست : إذا لقيته فسلم عليه ، وإذا دعاك فاجبه ، وإذا استنصحك
 
فأنصحه، وإذا عطس فحمد الله فشمته ، وإذا مرض فعده ، وإذا مات فاتبعه )

وإجابة الدعوة سنة مؤكدة لما فيه من جبر قلب الداعي وجلب المودة والألفة

اما وليمة العرس فإن إجابة الدعوة واجبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

( ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله ) لقد استفدت منه كثيراً في الصغر ثم في الكبر

انه فضيلة الشيخ / فهد ابن سليمان القاضي

الداعية المعروف والباحث الشرعي بإدارة التوعية والتوجيه

بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سابقًا

orent
ابوعبدالعزيز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.